هادي جلو مرعي / هكذا أنا ،وربما ليس مكمن فشلي في الذي أكتبه والذي أريد قوله، أو ماقلته ،لكن ذلك الفشل يتجسد في المزاجية التي تكبل روحي وتعطلني عن الحركة، فكأنني أحد الجياع حين يترك رغيفا قدم له وحساءا وشرابا منعشا، وربما كوب قهوة في ملجأ للذين لايملكون بيتا في شتاء قارس ( بعض مذيعات ومقدمات برامج في العراق ينطقن كلمة قارس هكذا،قارص ) الله كم من الناس تحب وتعشق وتموت في القرص حتى لو كان مؤذيا ،ثم إن هذا المتشرد الجائع يرفض المداومة على تناول الطعام والشراب لأنه أحس بشئ في مزاجه يتعكر وفي روحه حركة غير مألوفة وفي قلبه إرتعاشة عصفور مبتل في صباح بارد .
منذ أيام أرغمت نفسي على المجازفة وحصلت على إجازة عن الكتابة، وشعرت بعد أيام أني أختنق لأن متنفسي هو الكتابة ،وهي التي يسألني عنها بعض الحمقى متصورين إن الإفراط فيها يمثل تضييعا للشخصية ويصيب القارئ بالملل !في حين أن الحقيقة غير ذلك ،وهولاء ينقصهم الفهم، فالكتابة لابد أن تكون هما يوميا كبقية الهموم ،مثلها مثل هم الحرمان من الجنس والطعام والهواء النقي ،مثلها مثل كل معاناة ومكابدة وتحمل وجلد وصبر وعذابات وأنين ومن تركها وهو معتاد عليها فقد جن كالذي يقول،والله أنا تركت الصحافة لأنها متعبة ولأنها مملة،هو يكذب كان عليه أن يقول ،إنه لايفقه منها شيئا فالملحمة تبدأ بنظرة إعجاب ،يليها فيض من الحب يستمر ويفيض ،وهذه هي طبيعة العلاقة في الحقيقة بين الكاتب والكتابة والصحفي والصحافة ،من لايحب الصحافة لا يكون صحفيا حتى لو توهم ذلك ، وأوهمه بعض المتملقين، وقالوا له ،إنك صحفي لايشق لك غبار ،أو قال له ،آخرون إنك هيكل الكتابة في عالمنا العربي. وهو في الحقيقة لاكاتب ولاصحفي ولاهم يحزنون ولاشئ على الإطلاق، بل هو متطفل على الكتابة وعلى الصحافة.
وحين يقول لك أحدهم ،كيف تكتب وأنت تستهلك الجهد والوقت ،وكيف سيكون لكتابتك حضور وأنت تكتب كل يوم وتنشر العديد من الأعمدة الصحفية ؟ يتجاهلون إن العالم ملئ بالأحداث ،أليس إغتصاب طالبة في الهند بشكل جماعي يستحق المئات، بل الآلاف من الأعمدة التي تناقش وتحلل وتطلب الحلول والمعالجات وتضغط على أصحاب الشان ليتخذوا إجراءا ما ويعالجوا مشكلة تأكل الأخضر واليابس في العالم الشرقي والغربي على السواء ؟أوليس الجياع والموتى في الحروب والمهجرين والمرضى والنساء والأطفال والعاشقين والمحرومين والمعذبين والسائرين في طرق الحياة الصعبة والباحثين عن المجد واللصوص والقتلة والخيرين والزناة والكذابين والمصلحين والمشاكسين واللاعبين بمصائر الشعوب والمخطئين في وضع الحلول للمشاكل وصانعي السياسات والمخططين وعمال النظافة والخادمات في البيوت والأزواج المتناكفين كل مساء وصباح ووووو…موادا لمئات من الأعمدة تكتب وتناقش وتحلل وتعالج ؟. على الأقل هناك الآلاف من الناس تستهويهم القراءة ليتسلوا ،أو ليشعرواأن هنالك من يشعر بهم ويهتم لهم ويأمل في التخفيف عنهم ويشاركهم العذابات .