المقالات التي تنشر تعبر عن آراء أصحابها
د. أحمد يوسف / إذا كانت صفحات التاريخ هي مخطوطة من الأحداث والوقائع والسير، فإن الإنسان هو سجلُ مشهود من المواقف والمآثر والأثر، وإذا تابعنا مسيرة العظماء ومن حفظتهم ذاكرة الشعوب والأمم كحالات من التميز والعطاء، وذلك لإسهاماتهم الحضارية ووقفاتهم الإنسانية، ولمسات الخير وبصمات التفاني لإسعاد البشرية، والجهود المتواصلة لرفع الظلم ومواجهة أشكال الاستبداد والدكتاتورية، فإن رجب طيب أردوغان؛ رئيس الوزراء التركي، سيجد له مكانة بين الزعماء والقادة الأفذاذ، حيث خط بكلماته وبتحركاته السياسية، ومواقفه الإنسانية في نُصرة المستضعفين والدفاع عن قضاياهم، وتقديم العون لهم، نهجاً يستحق عليه شرف الصدارة في أخلاقيات الممارسة السياسية، وعالمية التحرك والرؤية لإشادة العدل والحرية، وتحقيق الكرامة الإنسانية.
أردوغان: الأمل المنشود والعطاء المشهود
منذ أن جاء أردوغان للحكم عام 2002م، أخذ يولي الوضع في فلسطين اهتماماً خاصاً، وحاول من خلال العلاقة التي كانت قائمة بين بلاده وإسرائيل التخفيف من قيود الاحتلال وضغوطاته على الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وذلك بالعمل على إقامة بنية تحتية صناعية لتشغيل العمالة الفلسطينية، وتحريك اقتصاد المناطق المحتلة، وقد تطورت تلك الجهود بشكل كبير من خلال التنسيق والتعاون والتفاهم مع الرئيس محمود عباس.
ومع وصول حركة حماس إلى سدَّة الحكم، بعد فوزها الكبير في الانتخابات التشريعية في يناير 2006م، أخذت العلاقة مع الحركة تأخذ طابعاً رسمياً، وانفتحت الأبواب للتعاون والتنسيق معهم باتجاه يخدم مستقبل القضية على المستويين الإقليمي والدولي، حيث كانت تركيا أردوغان تتمتع حقيقة بعلاقات قوية مع إدارة الرئيس أوباما، وأيضاً مع الكثير من دول الاتحاد الأوربي، وذلك من خلال النظر لدور تركيا باعتبارها الدولة الأكثر تأثيراً في العالم الإسلامي، الأمر الذي يجعلها تتقدم في إطار حل المشكلات المزمنة بالمنطقة.
من هنا، كانت تركيا أردوغان تحظى بتقدير واحترام كبير في العالم الغربي، لأنها غدت الدولة القادرة على لعب دور مركزي في تقديم الرأي والمشورة لحل النزاعات، وفكفكة الأزمات لكافة أشكال الصراع وبؤر التوتر في الجيواستراتيجا الشرق أوسطية، والتي عطلت لسنوات طويلة أجواء الهدوء والاستقرار، وسدَّت آفاق وفضاءات التنمية والتطور بالمنطقة، وأبقت الجراح نازفة على خلفيات دينية وسياسية وطائفية وعرقية تداخلت فيها الأحقاد ورغبات الانتقام.
لقد نجحت تركيا أردوغان في فرض قيادتها بين دول المنطقة، وأصبحت لها رمزيتها ومواقفها، التي منحتها القبول بين كل التيارات الإسلامية والعلمانية في منطقة الشرق الأوسط، وأصبح النموذج التركي في الحكم، واحترام العملية الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، ماركة مسجلة لأردوغان وحزب العدالة والتنمية، وتجربة جديرة بالتقدير والاحترام.
مسلسل العدوان والحرب على غزة
أظهر موقف تركيا أردوغان من الحرب على قطاع غزة في ديسمبر 2008م تحولاً في السياسة التركية، وذلك بجعلها سياسة مبادرة وفاعلة ومؤثرة وصاحبة رؤية مستقلة، خاصة في ظل تحالفها – آنذاك – مع كل من إسرائيل وأمريكا، حيث أتخذ أردوغان موقفاً مغايراً تماماً لموقف الإدارة الأمريكية، وقد عبرَّ عنه بقوله “إن بلاده لن تدير ظهرها لما يحدث لغزة وأطفالها، ولن تبقى صامتة ومكتوفة الأيدي على عدم تحقيق العدالة”.
وقد تحرك بقوة وعجل لحشد الدعم العربي لوقف العدوان الهمجي، الذي قامت به إسرائيل على قطاع غزة، وقام بجولة شملت سوريا ومصر والسعودية والأردن، والتقى كذلك الرئيس أبو مازن والأخ خالد مشعل، إضافة لاتصالاته الدولية وتحركات وزير خارجيته الواسعة، وقال: إن آهات القتلى في غزة لن تبقى في مكانها، وإنه لن يكون إلا مع المظلومين، وأعتبر أن مجاز إسرائيل في غزة لطخة سوداء على جبينها، وأن الإسرائيليين لن يفلتوا من محاكمة التاريخ.
كانت التحركات التي قام بها أردوغان على المستويين العربي والدولي هي التي عجلت بوقف اطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي بعد 33 يوماً من العدوان على قطاع غزة.
أما على الصعيد الإنساني، فقد كانت تركيا أول من بادر بالاتصال بالحكومة في غزة، وذلك بهدف التعرف على الاحتياجات العاجلة في القطاعين الصحي والإغاثي، وكانت قوافل المدد التركية في طليعة كل من باشر بالقدوم إلى قطاع غزة من الجمعيات والمؤسسات العربية والإسلامية، والتي على رأسها وكالة التنسيق والتعاون التركي (TIKA) وكذلك مؤسسة الإغاثة الإنسانية التركية (IHH). كما تمَّ استقبال الجرحى الفلسطينيين في العديد من المستشفيات التركية، وقام رئيس الوزراء أردوغان بزيارتهم وتقديم كافة أشكال الدعم لهم.
وإذ نتذكر أردوغان في مواقفه وانفعالاته الغاضبة انتصار للحق والعدل، فلن يغيب علينا مشهد احتجاجه الشهير في منتدى دافوس في 29 يناير 2009م، حيث خاطب الحاضرين الذي صفقوا للرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس وهو يحاول تحميل الفلسطينيين وزر الحرب، وتبرير ما قامت به إسرائيل من عدوان، قائلا مستنكراً: “عارٌ عليكم أن تصفقوا لمن يقتلون الناس والأطفال بدم بارد”، ثم غادر الجلسة وعاد إلى بلاده.
ومن الجدير ذكره، أن تركيا أردوغان حاولت أن تجعل حركة حماس ورؤيتها السياسية – بشكل خاص – حاضرة في المؤسسات والمحافل الدولية، وكذلك أوجدت حالة تفهم أفضل تجاه ما تطالب به الحركة لدى صُنَّاع القرار في أوروبا وأمريكا، وقد تحملت من أجل ذلك الكثير من الانتقادات من إسرائيل وأنصارها في الدول الغربية، حيث كان الحراك التركي في إدانة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2008/2009م فاعلاً، وقد أحدث تحولات كبيرة وواسعة في الموقف الأوروبي تجاه التعاطف مع القطاع المحاصر وحركة حماس.
أردوغان ومحاولات رفع الحصار عن قطاع غزة
بذلت تركيا أردوغان جهوداً مشكورة بغية رفع الحصار عن قطاع غزة، وأظهرت ذلك من خلال مساندتها لحملات التضامن الدولية مع القطاع، وقد تجلت أشكال هذا الدعم والتأييد في أبهى صورها من خلال قافلة أسطول الحرية وسفينة مرمرة التي انطلقت في شهر مايو 2010م، حيث كانت استانبول هي مركز القيادة والتوجيه، وقد وفرَّت لها حكومة أردوغان كل التسهيلات لتمخر عباب البحر تحمل أطنان المساعدات ومئات المتضامنين من بلدان عربية وإسلامية ودول غربية، في تظاهرة إنسانية عالمية لإغاثة أهل غزة وكسر الحصار عنهم.. وكان الموقف التركي هو ما عبر عنه أردوغان بكل وضوح “إن قدر تركيا وقدر فلسطين ليسا منفصلين، كما أن القدر واحد لكل من أنقرا وغزة”.
وعلى إثر التهور الإسرائيلي بالاعتداء على سفينة مرمرة التركية في المياه الدولية، والاستخدام المفرط في القوة العسكرية بإطلاق النار على المتضامنين العزَّل، وقتل تسعة أتراك وجرح العشرات، قامت تركيا بسحب سفيرها من تل أبيب، كما قامت بتخفيض مستوى تمثيلها الدبلوماسي، وأوقفت تعاونها العسكري والأمني معها، واعتبر أردوغان أن ما قامت به إسرائيل هو إرهاب دولة، وعمل دنيء وغير مقبول.
وبرغم جهود الوساطة التي قامت بها بعض الدول الغربية، وخاصة إدارة الرئيس أوباما، للتخفيف من حالة الاحتقان بين البلدين، إلا أن أردوغان ربط عودة العلاقات مع إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة.
لقد استمر الموقف التركي أكثر فاعلية في رفض الحصار، والعمل على كسره رسمياً وشعبياً وسياسياً ومعنوياً، ولقد أفادت تركيا من علاقاتها الدولية المتوازنة في فتح هذا الملف وعدم السماح بطيِّه في أدراج النسيان، وغدت استانبول مسرحاً للعديد من النشطات والفعاليات الإسلامية المنددة بالحصار دولياً، والمطالبة بضرورة تقديم يد العون والمساندة للشعب الفلسطيني.. لقد ندد أردوغان بالحصار الذي فرضته إسرائيل على قطاع غزة في الكثير من اللقاءات والمنتديات الدولية، مشيراً إلى أن فلسطين هي في واقعها اليوم سجن بسماء مفتوحة، وشعب غزة يواجه مأساة إنسانية.
العدوان على قطاع غزة 2012م
إن الموقف التركي من العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في نوفمبر 2012م، كان موقفاً قوياً وداعماً في التعجيل بأن تضع الحرب أوزارها خلال أسبوع واحد، حيث كان التنسيق التركي مع الجانب المصري والقطري يجري على قدم وساق لحشد المواقف، بهدف الضغط على إسرائيل للتسريع بوقف عدوانها على غزة، والرضوخ للشروط الفلسطينية دون أن يصل الجيش الإسرائيلي لتحقيق أهدافه، التي أعلنها في عمليته التي أسماها “عمود السحاب”.
كما زار د. أحمد داود أوغلو؛ وزير خارجية تركيا، قطاع غزة أثناء العدوان الإسرائيلي مع وفد من وزراء الخارجية العرب، وتفقدوا صور الدمار، والتقوا بالقيادة السياسية ممثلة برئيس الوزراء – آنذاك – إسماعيل هنية.. وقد عبر د. داود أوغلو عن موقف بلاده ومشاعر الشعب التركي، بالقول: آلامكم آلامنا، ومستقبلكم مستقبلنا.. اعلموا أن كل قطرة دمٍ تراق هنا تُولد جروحاً كبيرة في قلوب 75 مليون إنسان يعيشون في الأناضول، مؤكداً أن الشعب التركي لن يتخلى عن دعمه للشعب الفلسطيني، وأضاف قائلاً: إننا نريد أن نوصل عبر هذه الزيارة رسالة للمجتمع الدولي، مفادها ما يلي: قد تستطيعون السكوت عن هذا الظلم الذي ترتكبه إسرائيل، وقد تستطيعون أيضاً الإدلاء بتصريحات تُعطي الشرعية لهذا الظلم، ولكن عليكم أن تعلموا بأن الضمير الإنساني والتاريخ لن يسامح أبداً الذين يسعون إلى إيجاد الأعذار للظلم الإسرائيلي، ولتعلموا – أيضاً – بأننا والعالم العربي والعالم الإسلامي سنواصل وقوفنا جنباً إلى جنب في مواجهة هذا الظلم الواقع على غزة، ونطالب بالوقف الفوري للعدوان، وبإنهاء الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة.
لم تتوقف الجهود التركية عند المواقف السياسية والتحركات الدبلوماسية، بل كانت قاطرة المساعدات الإنسانية وقوافل الدعم لتغطية الاحتياجات في القطاع الصحي لا تتوقف، حيث كانت وكالة التنسيق والتعاون التركي (تيكا) التابعة لرئيس الوزراء؛ رجب طيب أردوغان، دائماً أول المبادرين لسد العجز وتوفير النقص من المستلزمات الطبية، بما في ذلك أيضاً تقديم الدعم المالي والمواد التموينية لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) .
عدوان 2014م على قطاع غزة
لم تنتظر تركيا أردوغان طلباً من أحد كي تتحرك لحشد الدعم لوقف العدوان الإسرائيلي الظالم على قطاع غزة، بل شدت الدبلوماسية التركية الرحال إلى أكثر من ساحة عربية وغربية لتنسيق موقف يقطع الطريق أمام استمرار مسلسل جرائم الحرب وانتهاكات القانون الدولي التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد المدنيين في قطاع غزة.
إن مشاهد العدوان وسياسة الأرض المحروقة (Scorch Earth Policy) التي اعتمدها جيش الاحتلال لم تستفز أردوغان وحده بل حركت كل صاحب ضمير، فالمجازر كانت تتلوها سلسلة مجازر أخرى أشد دموية وفظاعة، حيث كانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تحمل قنابل الموت وحمم اللهب، وتلقي بها فوق المباني والبيوت، فتسويها بالأرض وتجعل عاليها سافلها، ليسقط المئات بل الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ قتلى وجرحى تحت الأنقاض، وهذا ما أشارت له تقارير المنظمات الحقوقية، حيث ذكرت أن أكثر من 82% من الضحايا هم من المدنيين.
ومع تجاهل المجتمع الدولي، وغياب موقف عالمي يدين العدوان ويندد بجرائمه، جاءت كلمات أردوغان الغاضبة، “نحن أمام اتفاق صليبي جديد”، وذلك في إشارة للصمت العالمي أمام العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وأشار أردوغان – بصراحة ووضوح – إلى إن الشعب التركي لا يمكن أن يُغلق على نفسه الأبواب، ولا يهتم بالأمور الخارجية، ولا يمكن أن يدير ظهره لغزة، بلاد الشهداء والمظلومين، التي يقصفها الجيش الإسرائيلي يومياً.. وأضاف قائلاً: “إن إسرائيل – عاجلا أم آجلا – سوف تغرق في الدماء التي أراقتها في قطاع غزة وكافة أنحاء فلسطين”، وأكد على أن ما يجري هو وصمة سوداء ستلتصق على جبين من يصمتون ولا يتمكنون من التحدث تجاه ما تقوم به إسرائيل من ظلم في قطاع غزة، وأن الأمم المتحدة التي أسست من أجل حماية حقوق جميع الدول القوية والضعيفة في العالم، تفقد مشروعيتها لصمتها وعدم اتخاذها أي مواقف جادة هي ومجلس الأمن الدولي، ومختلف منظماتها.. وتابع أردوغان – موضحاً – أن هناك أكثر من 100 قرارٍ أصدرته الأمم المتحدة ضد إسرائيل، ولكنها لم تتمكن من تطبيق هذه القرارات، حيث بقيت حبراً على ورق، وطالب بأن تعاد صياغة الأمم المتحدة من جديد، لافتاً النظر إلى أن الأمم المتحدة بالتزامها الصمت، قد أصبحت شريكاً مع إسرائيل، التي تنتهك حقوق الإنسان الأساسية في فلسطين.
وأمام حشد كبير في مدينة طوقاط، وضمن حملته الانتخابية لرئاسة الجمهورية، قال أردوغان: “لا يمكن الوقوف على الحياد في قضية فلسطين، التي يقتل فيها العزل والأبرياء”، وجدد رئيس الوزراء التركي انتقاده لاستمرار الصمت الدولي حيال الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وقال: إذا كان العالم قد التزم الصامت، فإن تركيا لن تصمت حيال تلك الجرائم.
وأوضح أردوغان أن اسرائيل تستخدم مع الفلسطينيين نفس الأساليب التي كان يستخدمها هتلر، وقال في إشارة الى ما قالته عضو الكنيست الإسرائيلي (ايلان شاكيد) من أن “كل الفلسطينيين اعداؤنا”، لو احداً من الفلسطينيين قال ذلك لوقف العالم كله ضده.. وأضاف أن إسرائيل تمارس إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين منذ عام 1948م، وتستخدم أساليب عنيفة.. وقال: إن أطفال غزة لا زالوا يقتلون بسبب الألاعيب السياسية القذرة في الشرق الاوسط، منتقداً صمت العالم الغربي وواشنطن التي لا تريد الضغط على اسرائيل لوقف عملياتها. وقال: “إن اسرائيل ستدفع يوماً ثمناً باهظاً لما تقوم به”.
نحن اليوم في اليوم الرابع والعشرين، وما زالت الحرب تدور رحاها، والفلسطينيون وحدهم في الميدان يواجهون ببسالة آلة البطش الإسرائيلية، وتسعى تركيا ومعها دولة قطر في تحرك دبلوماسي نشط مع المجتمع الدولي لتقديم مبادرة يمكن أن تحقق الحد الأدنى من مطالب قوى المقاومة؛ ألا وهو وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة .
هناك جهود دبلوماسية أخرى تتحرك بها السلطة الفلسطينية وجمهورية مصر العربية، ولكن كل هذه الجهود لم تصل بعد إلى تحقيق الإنجاز المطلوب.
شهادة للتاريخ؛ كانت تركيا خلال حروبنا الثلاثة الأخيرة هي دائماً المبادر في تقديم الدعم الإغاثي، وتتقدم كل الجهود الإنسانية ومشاهد التعاطف وتحركات التنديد بالعدوان الإسرائيلي، إضافة لما كانت تقوده ماكينتها السياسية من دبلوماسية نشطة لحشد المواقف الدولية والإقليمية المطالبة بوقف العدوان عن قطاع غزة. وإذا تتبعنا الجهود الإغاثية والإنسانية خلال العدوان الأخير على القطاع، فإننا سنجد أن وكالة التنسيق والتعاون التركية (تيكا)، التابعة لرئاسة الوزراء وللسيد أردوغان نفسه، هي واحدة من بين أهم مؤسسات العمل الخيري التي تصدرت تقديم وجبات الطعام خلال شهر رمضان إلى ألاف المنكوبين الذين لجأوا إلى مراكز الإيواء التابعة لوكالة الأونروا، كذلك في توفير الأغطية لعشرات الآلاف من المحتاجين والنازحين منهم، وذلك عبر مقرها الرئيس في غزة ومندوبي (تيكا) في المدن الرئيسية الأخرى في القطاع.
ختاماً: نِعمَ الزعيم؛ القوي الأمين
إن ما شاهدناه في هذه الحرب العدوانية الأخيرة على قطاع غزة، وتراجع الموقف العربي بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ هذا الصراع مع إسرائيل، حيث تفاوتت – للأسف – مواقف الأنظمة العربية بين صمت العار والتواطؤ المخزي مع العدوان، باستثناء ما نشهده – عملياً – من تحركات تقوم بها تركيا وقطر.
وتأسيساً على ما سبق، فقد يروق للبعض أن يتهمنا بمحاباة أردوغان، وقد يلومنا على هذا التمسك والتمجيد بالدور التركي، ولكن على الجميع أن يتذكر أن شعوب الأمة العربية جميعها قد تعلقت بمصر في الخمسينيات، ومنحتها زعامة الأمة بلا منازع، حيث أضحت القاهرة هي العاصمة السياسية للعرب والعروبيين، وملتقى النخب السياسية والفكرية، ومحطة الإلهام النضالي لكل حركات التحرر الوطني في المنطقة، وذلك يوم وقف الرئيس جمال عبد الناصر (رحمه الله) في وجه الصهاينة، واعتبر أن قضية فلسطين هي قضية الأمة، وكان الشعار الذي حفظه الجميع: “أن ما أخذ بالقوة لا يُسترد بغير القوة”.. كانت هذه الوقفة، وعلى مدار عمر القضية الفلسطينية، هي المحرك والقوة الدافعة للأمة العربية، وهي التي جعلتها بكل كياناتها تمنح لمصر عبد الناصر مفتاح الزعامة، والتسليم لها بقيادتها.
إن أردوغان يعي حركة التاريخ ويتفهم نبض الواقع العربي والإسلامي، لذلك كانت مواقفه باتجاه فلسطين هي بوصلة حراكه السياسي؛ لأن الشعب التركي هو إسلاميُّ الهوى، والقدس والأقصى هي مقاصد الرباط للكثيرين من أبنائه، لذا فإن هذه المواقف السياسية والأنشطة الإغاثية، التي تعكس سياسات أردوغان الخارجية، ليست بلا أبعاد دينية أو دوافع إنسانية تتناغم مع جوهر العقيدة الإسلامية، والتي عليها غالبية الشعب التركي ومعظم قيادات وكوادر حزب العدالة والتنمية (AK Party)، كما أن تركيا أردوغان تتطلع من خلال مواقفها في الدفاع عن قضايا المسلمين إلى قيام “عثمانية جديدة”، تستعيد فيها أمتنا العربية والإسلامية مكانتها الحضارية والإنسانية تحت الشمس.
إن ما قاله وزير الخارجية التركي؛ أحمد داود أوغلو، بشأن فلسطين وقضيتها يحمل دلالات بليغة، ويعكس حجم الارتباط القوي الباعث على الفخر، حيث أشار بالقول: “إن سياستنا تجاه فلسطين ستكتب بأحرف من ذهب في تاريخ شعبنا التركي، ولن يكون هناك أي شيء يدعونا للخجل من تعاطينا مع قضية فلسطين”.
إن موقف تركيا أردوغان تجاه ما يجري من عدوان على قطاع غزة يتلخص في تلك العبارة: “يتواصل عملنا سوياً على مشروع قرار، ونتمنى أن نصل إلى نقطة جيدة في الأيام المقبلة، فالمهم بالنسبة لنا هو وقف إطلاق النار، وتحقيق أهداف استمرار المساعدات الإنسانية”.. وأضاف: إننا نحن حريصون على الدم الفلسطيني والكرامة الفلسطينية أيضاً، مشدداً على أن الدور التركي في هذا الملف “صادق، وهو يرتكز على المبادئ، وأن الذي يحكمه هو القيم وليس المصالح”.
لم تضع الحرب أوزارها بعد؛ لذا فإن جهود تركيا أردوغان ما تزال تتحرك في أكثر من اتجاه، وستشهد الأيام القادمة أن أردوغان هو زعيم للأمة بجدارة، وأنه يمكن الاعتماد عليه، والتعويل على مساندته السياسية للنهوض بشعبنا وقضيته العادلة على المستويين الإقليمي والدولي.