من حق إسرائيل أن تحلم، وأن تتمادى في أحلامها كما يحلو لها، بسبب أن لا أحد يستطيع منعها من أن تفعل ذلك، وسواء تعلّق بشأن استمرارها ودوام تطورها، أو بإظهار قدراتها على المُقاتلة من أجل القضاء على أعدائها، ولكن ما ليس بحقٍ لها، أن تجعل من أحلامها حقيقةً واقعة، بسبب أنها ستندثر من تلقاء نفسها لا محالة نتيجة لاصطدامها بواقعٍ مخالفٍ تماماً، وهو الذي تخشاه في النوم واليقظة، وعلى مدى سنيّ حياتها وقد لا ينتهي كأغلب الظن.
كما من حقّها الادعاء باستفادتها من الدروس والتجارب القاسية التي مرّت بها، وسواء بسبب برامجها السياسية الخاطئة، أو ما ترتبت على خطواتها العدوانية التي قامت بتنفيذها، وخاصة تلك التي قصدت بها التنظيمات والحركات المقاومة، للإطاحة بها والقضاء عليها، والتي على رأسها تنظيم حزب الله في الجنوب اللبناني، وحركة حماس في الجنوب الفلسطيني، ولكن ليس من حقها أن تمنع أحداً، من كيف يُفشلون تلك الاستفادة.
في كل الاحوال، فإن إسرائيل ترغب في الترويح عن نفسها، كما هي الآن بالفعل، بسبب أنها باتت وليس في إمكاناتها غير مواصلة الأحلام، ونشر تفسيراتها في اليوم التالي، وكما تراها مناسبة، والتي ترتكز على قاعدة (الردع الكافي) وهي التي تتوقف على نشر التهديدات هنا وهناك والإكثار منها وفي كل اتجاه لا غير، ظناً منها بأنها ناجحة لا محالة، في إلقاء القلوب من الصدور رعباً ورهباً، وبالتالي ستفلح في ترخية الزناد المصوّب باتجاهها، سيما في تواجد حضور عربي رسمي، الذي ليس بمقدوره تصور تلك التهديدات، حتى في حال عدم القيام بتنفيذها.
فبعد مشاهد الخسران الكبيرة، التي تكبدتها خلال عدواناتها الفائتة، وعلى الجبهتين، حزب الله في الشمال، وحماس على مشارف القطاع وداخله، والتي أذهبت هيبة الجيش الإسرائيلي إلى الدرك الأسفل، وتحملت المزيد جراء تبعاتها، من الملامة والسخرية، وعلى رأسها مسألة هل مسموح لإسرائيل أن تواصل تطورها واستمرارها من الآن فصاعداً، أو أن تلجأ إلى إلقاء التنازلات كي تضمن الحياة على الأقل؟ إذ كانت التفسيرات كلّها وعلى كلتا الجبهتين، تشير إلى إخفاقات، ليست بسبب أداء الجيش وحده، بل بسبب ضلوع مؤسسات الدولة ككل.
كان طلع قادة إسرائيليون، وقد توجّهوا شمالاً بالقول: بأن إعادة الدولة اللبنانيّة 200 سنة للوراء، سيكون حقيقة غير مشكوكٌ فيها، في حال نشوب حرب مع حزب الله، وتوجه آخرون جنوباً بالتحذير، وكان من ضمنهم وزير الخارجية الاسرائيلي “أفيغدور ليبرمان”، بأن من أولويات الحكومة الإسرائيلية المقبلة، تحطيم حركة حماس، وكأنّ من السهل تحطيمها بلفظ اللسان، بعد ثلاثة تحطيمات متتالية.
بدا قولهم جميعاً متناغماً، وخاصة بعدما قصدوا إخفاء حقيقتين اثنتين على الأقل، الأولى: هي أن إسرائيل معنيّة بالوقوف على التهديدات فقط، والإكثار منها وفي كل اتجاه، (حزب الله، حركة حماس)، والثانية: وهي التي تكشف صراحةً، بأن على إسرائيل التي تهدد لبنان بـ 200 سنة إلى الوراء، الاستعداد لاستلام 1500 صاروخ في اليوم الواحد، ممهورة بأختام حزب الله.
وإذا كان يمتلك ما يقرب من 150 ألف منها، وعلى أنواع ومديات مختلفة، فإن معنى ذلك، أن الحرب ستستمر إلى ما يقرب من 100 يوم وليلة، وهي المدّة التي لا يمكن تصورها بالمطلق لدى إسرائيل، حتى في ضوء انتشار منظوماتها الصاروخية الاعتراضية، من صنفي القبة الحديدية والعصا السحرية وغيرهما، والقصد نفسه باتجاه مسألة تحطيم حركة حماس في الجنوب، حيث لم يجرؤوا على التحدث، بشأن درجة الضعف العام، في مواجهة بيئة (مُختفية) وذات فاعلية جديرة بالثقة، باتجاه إحداث الثقوب، وتعظيم الألم.
لا أحد يستطيع منع إسرائيل وفي حال اندلاع حرب، وسواء في الشمال باتجاه حزب الله أو في الجنوب ضد حركات المقاومة الفلسطينية وحماس تحديداً، من أن تقوم بمحاولة تنفيذ تهديداتها الفائتة، لكن تقديراتها – كما تبدو صحيحة- بأن استعداداتها بصدد تنفيذ هكذا تهديدات، ليست كافية، لا باتجاه بلوغها الأهداف المتوخّاة، ولا بشأن إمكانية النّجاة بالنفس، في ضوء أن جبهة المقاومة المشتعلة في تلك الأثناء، سوف لن تميل إلى ناحيته تفضيل وقف الحرب المندلعة، بسبب أنه لن تتواجد لديها أيّة خيارات سياسيّة، وخاصة إذا ما تم تشغيل جبهات قتالية أخرى.