كاظم فنجان الحمامي / امتلأت ساحاتنا قبل بدء الحملة الانتخابية بملصقات كبيرة بحجم أشرعة السفن, وتزينت شوارعنا بلافتات عملاقة, تباينت في مساحاتها وألوانها وارتفاعاتها, بيد أنها توحدت كلها في عباراتها البطولية المؤازرة لتشكيلاتنا العسكرية.
كلنا نقف اليوم مع قواتنا المسلحة, ومعظمنا أدى خدمته العسكرية في أحلك الظروف وعلى الوجه الأكمل, ولا اعتراض لدينا على ما تحمله الملصقات المبكرة من دعم ومؤازرة لجنودنا البواسل, حتى لو كانت هذه المؤازرة على الورق, لكننا نعترض على التوقيت المبكر, الذي يعد خرقاً واضحاً لضوابط المفوضية المستقلة للانتخابات, وانتهاكا صارخاً لتحديداتها الزمنية, ومخالفة صريحة للقانون الذي وضع وقتاً معيناً لانطلاق الحملات الانتخابية.
نحن لا ننكر حق أي إنسان في الترشيح, وفي التعبير عن رأيه, ولكن ينبغي أن يتم بالطريقة الصحيحة, من دون أن يضطر المرشح إلى انتحال جلباب البطولة الزائفة, فالذي يريد أن يصبح بطلاً وطنياً حقيقياً يتعين عليه التحلي بالشهامة والشجاعة الوطنية, ويثبت على المبادئ العظيمة, ويسعى لترسيخ مفاهيمها في مروءته, ويجسدها في أداءه وسلوكه وإخلاصه ونزاهته, وفي كيفية تفعيل عطائه الوطني الاستثنائي, وأن يتمسك بأبسط قواعد العدل والإنصاف, وأن لا يخذلنا ويتكبر علينا, ولا يتبختر في شوارعنا بمواكبه الاستفزازية, ولا يحصن نفسه بسياراته المصفحة وعرباته المدرعة وعناصره المسلحة.
ثم أن الذين يزعمون أنهم يقفون في خنادق جنودنا البواسل ينبغي أن يكونوا بقوة الجنود الشجعان في مواجهة التحديات المستقبلية الصعبة بصدورهم العارية وقلوبهم المؤمنة, التي لا تعرف الخوف ولا التخاذل ولا القلق, ولا الانزواء خلف الحواجز الخراسانية العالية, وأن يكون ولاءهم المطلق للعراق وحده, فالشجاعة الحقيقية هي التي تبدأها بنفسك, وتدفع ثمنها من عمرك, وتكون أنت قدوتها ونموذجها, أما الشجاعة الاستعراضية في الساحات والشوارع, فهي لا تعدو كونها عضلات من ورق, وسيوفاً خشبية.
أن الذي يزعم أنه في خدمة الجيش, ينبغي أن يكرس حياته لخدمة الشعب, فالجيش بفيالقه في خدمة الشعب, والشرطة بمراكزها في خدمة الشعب, وأن لا يكون طائفياً متطرفاً, ولا عشائرياً متمادياً في قبليته, ولا فاسداً غارقاً في انتهاكاته السافرة, ولا انتهازياً ممعناً في أنانيته. هذه هي الشجاعة في أسمى منازلها, وأرقى ضروبها.
من المخالفات الأخرى أن شوارعنا وساحاتنا امتلأت هذه الأيام بلافتات انتخابية مؤطرة عشائرياً بعبارات مؤيدة لمرشح القبيلة الهمام, الذي أعلن ولاءه المطلق منذ الآن لعشيرته وقبيلته وأبناء عمومته, وظهرت لافتات أخرى تتضمن تأييد وإجماع أهالي منطقة المرشح أو نقابته المهنية, تعبر عن دعمهم له في خوض غمار معركته الانتخابية.
ختاماً نقول: أن استعراض البطولات الوهمية والتخندق الطائفي والتكتل العشائري والاستباق الزمني في الدعاية الانتخابية, صارت من الأدوات المرفوضة, التي ستلعب دوراً مؤثراً في ترويج الحملة الانتخابية للمرشح, وتوفر له بيئة دعائية خصبة تزيد من حجم إشهاره لدى ناخبيه, وبالتالي فأن هذه الأساليب المرفوضة تعد من وسائل الالتفاف والتحايل على القوانين والتشريعات.